ابن الفنانة شادية.. الذي لا يعرفه أحد
سر النقود المعطرة «المسك».. التي ترسلها لابن عماد حمدي
القاهرة: محمود صلاح
من هو ابن الفنانة شادية الذي لا يعرفه أحد؟
وما هو سر الاوراق المالية المعطرة بالمسك ـ عطر شادية المفضل ـ التي ترسلها اليه بين الحين والآخر؟
ابن من هو.. ومن هو والده؟
ولماذا لم يشاهد «ماما شادية» منذ عشر سنوات؟ ابن شادية.. الذي لا يعرفه أحد! دق جرس التليفون في بيت الفنانة المعتزلة شادية.. رفعت شادية سماعة التليفون.. غيرت شادية من صوتها كما تعودت كلما ردت على التليفون، وقالت : السلام عليكم.
قال المتحدث على الناحية الاخرى: ماما؟
على الفور تبينت شادية شخصية المتحدث. ردت بلهفة وبصوتها الطبيعي: الو يا نادر يا حبيبي.. انا ماما شادية.. ازيك؟
سادت برهة صمت. ثم عاد المتحدث ليقول بصوت خفيض متردد: الحمد لله.. انا كويس. ادركت شادية من نبرة صوته المرتبك أن لديه ما يريد ان يقوله فسألته بلهفة صادقة: نادر. مالك. أوعى تكون تعبان. انت دخلت المستشفى قريب؟ مرة اخرى ساد الصمت. لكن المتحدث الشاب عاد ليقول: لا. الحمد لله. بس! سألته شادية: بس ايه.. اتكلم يا اابني؟
رد الشاب بصوت يكاد يكون غير مسموع: ماما.. ما فيش في بيتي جنيه واحد! عاد الصمت مرة اخرى. لكن هذه المرة كان من ناحية شادية. ولو كانت اسلاك التليفون تنقل غير الاصوات، لنقلت نبضات قلبها التي تسارعت وتنهيدة ودموعا مكتومة.. لكن شادية سرعان ما تماسكت وقالت: طيب.. اقفل السكة يا حبيبي دلوقت.. واوعى تقلق!
* نقود برائحة المسك
* في بيته.. وضع الشاب القصير صاحب العينين الحزينتين سماعة التليفون وظل جالسا في مكانه وكأنه تمثال لا يتحرك.
مشاعر عديدة وعنيفة كانت تضطرب في صدره. ولم يشعر بالوقت وهو يمضي. وبعد نصف ساعة سمع جرس الباب، فنهض متثاقلا ليفتح.. وفوجئ بسائق سيارة شادية على الباب قدم له السائق مظروفا مغلقا وانصرف بهدوء.
عاد الشاب الى مكانه وفتح المظروف وبيد مرتعشة اخرج «رزمة» الاوراق المالية التي كانت بداخله، لم يعرف كم هي، ربما كانت الف أو الفين أو اكثر. نظر في انفعال الى «رزمة» الاوراق المالية.. قربها من انفه.. واغمض عينيه وهو يشم رائحة «المسك» الذي يعرف ان «ماما شادية» تفضله كثيرا. انها كعادتها لم ترسل اليه نقودا من البنك بل ارسلت اليه في الحال نقودا من بيتها فيها رائحة عطرها المفضل الآن.. وعندما فتح عينيه كانت العينان الحزينتين قد امتلأتا بدموع ساخنة وهمس لنفسه: ربنا يخليكي .. يا شادية يا أمي.
هذه القصة حدثت قبل ايام.. لكنها تكررت كثيرا طوال السنوات الماضية في حياة المصور الشاب نادر، ابن الفنان الكبير الراحل عماد حمدي، الذي كان في يوم من الايام زوجا للفنانة الكبيرة شادية.
* أم روحية
* رغم ان نادر ليس الابن الحقيقي لشادية من عماد حمدي، ولكنه ابنه من زوجته الاولى فتحية شريف، لكن نادر منذ سنوات طويلة وبالتحديد منذ وفاة امه الحقيقية، اصبحت شادية هي أمه الفعلية والروحية.
كانت الاقدار قد اختارت لشادية الا تنجب. لكن امومتها كانت فوق قدرها. وربما في احد تلك الايام شعرت شادية وهي تضم طفل عماد حمدي من زوجة اخرى الى صدرها انه ابنها الحقيقي! ولم يستمر زواج شادية وعماد حمدي طويلا، بعد ثلاث سنوات تقريبا انتهى زواج شادية التي كانت وقتها من جميلات السينما المصرية، وكانت شابة لم تبلغ بعد الثالثة والعشرين من عمرها، من فتى الشاشة الاول عماد حمدي، والذي كان ايامها قد تعدى الاربعين من عمره.
ومرت السنوات.. وكبر الصغير نادر عماد حمدي والتحق بمعهد السينما وذات يوم اخبره والده عماد حمدي انه يشارك في بطولة فيلم «الناس والنيل» مع شادية وصلاح ذو الفقار وكان يوسف شاهين هو مخرج الفيلم الذي يجري تصوير معظم احداثه في اسوان.
واقترح عماد حمدي على ابنه نادر الطالب في معهد السينما ان يذهب معه الى اسوان ليشاهد المخرج الكبير يوسف شاهين وهو يقوم باخراج الفيلم.
* اعتذار وسماح
* وفي اسوان وداخل موقع التصوير وجد الشاب نادر عماد حمدي نفسه فجأة امام شادية التي لم تتعرف عليه بسهولة.
وقال لها عماد حمدي: تعرفي مين ده يا شادية؟
سألته شادية: مين؟
قال لها عماد حمدي: ده نادر ابني.
فاندفعت شادية وسط دهشة الممثلين والعاملين في الفيلم تحتضن نادر، وتأخذه معها الى حجرتها في الفندق الذي كانت تقيم به في اسوان وهناك فوجئ نادر بأن شادية تطلب منه رقم تليفون والدته فتحية شريف.
وطلبت شادية عبر التليفون زوجة عماد حمدي الاولى وقالت لها: فتحية.. يا ريت تسامحيني على حكاية جوازي من عماد؟
قالت لها فتحية شريف: ياه يا شادية.. انت لسه فاكرة؟ ده كلام بقاله سنين وانتي وقتها كنت صغيرة خالص! سألتها شادية: يعني سماح؟
قالت زوجة عماد حمدي: من كل قلبي! ردت شادية: يبقى لازم نكون اصحاب.
قالت فتحية شريف: واخوات كمان.
وهذا ما حدث بالفعل وتوطدت اواصر الصداقة بين شادية وزوجة عماد حمدي الاولى وكان عماد حمدي في ذلك الوقت قد ترك بيته وتزوج من نادية الجندي.
وكانت شادية تحاول ان تخفف من صدمة فتحية شريف وكانت تتصل بها وتزورها باستمرار واحيانا كان جرس تليفون فتحية شريف يدق في الصباح وتفاجأ بشادية تقول لها: صباح الخير يا فتحية انا نفسي في الطعمية وجاية افطر معاكي! وتسرع فتحية الى المطبخ لعمل الطعمية وتحضر شادية وتجلس الاثنتان لتناول الطعمية والمخلل وهما تتحدثان في سعادة.
وكانت فتحية شريف تقول لابنها نادر: شادية دي يا ابني زي امك، دي انسانة بنت ناس وقلبها ابيض زي الحليب وهي اللي حاتفضل لك بعد انا وابوك ما نموت! وصدق احساس فتحية شريف.
ماتت فتحية شريف زوجة عماد حمدي الاولى. وانتقل نادر وزوجته ليعيشا مع والده عماد حمدي والذي كان قد انفصل عن نادية الجندي.
وكانت صحة عماد حمدي قد ساءت كثيرا وخاصة بعد وفاة توأمه الوزير المفوض السابق عبد الرحمن حمدي.. واصيب عماد حمدي بحالة اكتئاب شديد واعتزل في البيت ورفض مقابلة الناس، وطال شعره وانسدل على كتفيه.
وكانت شادية كل فترة تتصل بنادر وتقول له: خلي بالك يا حبيبي من بابا.
وعاش عماد حمدي آخر ايام الندم والمرض ثم رحل عن الحياة في هدوء لكن الابن نادر لم تعرف حياته الهدوء من بعدها، كان قد تخرج في معهد السينما وعمل مصورا صحافيا في وكالة انباء الشرق الاوسط.
وطوال هذه السنوات لم تتخل عنه شادية كانت باستمرار تتصل به وتسأل عنه وعن اولاده الصغار واكبرهم اسمه عماد.
وفجأة توفيت زوجة نادر، وفي نفس اليوم اسرعت اليه شادية واحتضنت اطفاله الثلاثة الصغار واخذتهم معها في سيارتها واشترت لهم كل الملابس ولعب الاطفال التي في محلات الاطفال كلها في القاهرة.
وقبل ان يحين موعد الدراسة كل سنة كانت شادية تشتري لاولاد نادر ملابس المدرسة وتسدد المصروفات الدراسية وفي كل شهر ترسل مع سائقها مظروفا الى نادر ما ان يفتحه حتى يجد فيه اوراقا مالية يقربها من انفه فيشم فيها بوضوح «المسك» عطر شادية.
* يا ضنايا إنت
* واصبح نادر عماد حمدي يشعر ان شادية بالفعل هي امه.
وفي بعض اللحظات كان يتذكر فيلمها الشهير الذي تغني فيه لطفلها اغنيتها الجميلة الرائعة «يا ضنايا انت».
ولم يرث نادر عن والده عماد حمدي شيئا لا اموال ولا عقارات ولا حتى الشبه في الملامح، شيء وحيد ورثه عن عماد حمدي القلب الضعيف.. فقد مات عماد حمدي بأزمة قلبية.
وذات يوم شعر نادر بآلام شديدة في صدره وعندما فحصه الاطباء قرروا انه لا بد له من اجراء عملية القلب المفتوح وتغيير اربعة شرايين في قلبه! ولم يعرف نادر ماذا يفعل؟ لم يكن ـ ومازال ـ يملك غير راتبه من وظيفته وهو بالكاد يكفي تكاليف حياة اسرته.
وارسلت شادية الى نادر مبلغ 10 آلاف جنيه لشراء الادوية المطلوبة في الحال والاستعداد للسفر وبينما هي تجري الاتصالات لانهاء سفره صدر فجأة قرار من الدولة بسفر نادر لاجراء الجراحة في الخارج على نفقة الدولة. يقول نادر عماد حمدي: كلما ضاقت الدنيا في عيني وكلما شعرت بأنني مخنوق تكون هناك دائما «ماما شادية» وكلما تولاني اليأس وشعرت بأنني وحيد في هذه الدنيا امد يدي الى سماعة التليفون واطلبها.